حمل رواية ربع جرام قصة حقيقية لاتفووووووووتك.

عاصم يوسف
من مواليد القاهرة
تخرج فى كلية الاداب، قسم اللغة الإنجليزية، جامعة القاهرة.
يعمل مدير عام شركة مونتانا ستوديوز للانتاج السينمائى.
وهو كاتب رواية وسيناريو فيلم "1/4 جـرام"، ومن أعماله قصة وسيناريو " ذهاب وعودة" (فى مرحلة الإنتاج) وله عدة قصص قصيرة أخرى (تحت الطبع).
وقد اختار "1/4 جـرام" كاول عمل له يتم نشره.
والده الكاتب الأديب: عبد التواب يوسف، رائد كتابة كتب الاطفال فى مصر والوطن العربى، وصاحب الألف عنوان.
ووالدته الكاتبة الصحفية: نتيلة راشد "ماما لبنى" رئيسة تحرير مجلة سمير على مدار أربعين عامل.
متزوج.. وأولاده عمر ولبنى
المؤلف عصام يوسف فيقول عن روايته فى حديث لـ «إيلاف» معه ولماذا قرر الآن كتابة مثل هذه الرواية أجاب: مرت فترة طويلة.. أكثر من 15 سنة على هذه التجربة.. هكذا تكون هناك مصداقية فى الأحداث وفى الرسالة التى أريد أن أوصلها للمدمن أولا.. وللأهل ثانياً وللحكومة ثالثاً
نبذة
لم ينم مدمن المخدرات "صلاح" طوال الليل، وأخذ يفكر في كل ما مر به، وبتلقائية يجد نفسه يدعو "يا رب.. يا رب.. يا رب ساعدني"، وبعد قليل يسمع أذان الفجر فيقول كما في صفحة 491: "ياه!! أول مرة أسمع أذان الفجر بهذا الجمال.. أول مرة أركّز في كلمة تقال.. خيل إلي أنه ليس بأذان الفجر.. وتخيلت أن الله سبحانه وتعالى يرد علي: أنا موجود"..



إذا كنت تتوقع أن الأمور بهذه البساطة وأن مجرد الاستماع إلى الأذان سيحل مشكلة معقدة كمشكلة الإدمان فاستعد لأن تتلقى رواية سوف تصدمك بشدة في آراء استقرت لدينا دون أن نفكر فيها. فلماذا لدينا مدينة الألف مئذنة ولدينا آلاف المؤذنين ومع ذلك تزداد مشاكلنا ولا يحل منها أي شيء برغم أننا نسمع الأذان مرات ومرات كل يوم؟
رواية "ربع جرام" لمؤلفها "عصام يوسف" ليست رواية عادية، فقد حققت نجاحا لافتا على مستوى المبيعات رغم سعرها المرتفع. وهي أيضا ليست مجرد أحداث خيالية بل هي قصة حقيقية تقريبا وأبطالها لا يزالون على قيد الحياة وإن كان المؤلف حريصا على إخفاء شخصياتهم حرصا على خصوصياتهم بالطبع.
الشخصية المحورية هنا هي "صلاح" وهو صديق للمؤلف كان قد حكى له تفاصيل هذه القصة طالبا منه توصيلها للناس.. ويتطوع المؤلف لنقل الرسالة ولكنه يختار لها قالبا أدبيا وهو الرواية، فتستغرق منه أكثر من سنتين لتخرج في ما يزيد عن 600 صفحة. والرسالة تتعلق بموضوع مسكوت عنه هو المخدرات. فالإحصائيات الرسمية تقول إن في مصر وحدها 6 مليون مدمن، وهذا يعني أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر من هذا بكثير. وإذا لم تكن عزيزي القارئ مدمنا ففي أقاربك مدمن أو في جيرانك أو عملك أو شارعك. ولهذا فإن معرفتنا بعالم الإدمان ليست مجرد رفاهية ثقافية بل هي ضرورة لفهم واقع موجود من حولنا لكننا ربما نجهله أو نتجاهله.


المدمن مريض
يمكن أن نقول أن الأمر بدأ مع "صلاح" وأصدقائه عندما جاء "بهاء" الملقب بـ "بونو" في إحدى الليالي ومعه ربع جرام من البودرة (الهيروين) على سبيل التجربة. ولكن الموضوع له بداية قبل ذلك بكثير، فأسرة "صلاح" ساعدته على الوقوع في الإدمان دون أن تدري. فالأب مهندس مشغول بمشاريعه وهو نموذج متميز للأب الناجح في عمله، الفاشل في رعاية أسرته. فلم يدرك أن ابنه قد أصبح مدمنا إلا بعد عشر سنوات من تعاطي الهيروين و15 سنة من تعاطي الحشيش والخمور!
وفي بيت "صلاح" كان هناك بار، وكان من المسموح له وهو طفل أن يشرب بعضا من البيرة. وكان هو يستولي على "الويسكي" والسيجار بحيل طفولية بسيطة. وكانت الأموال متاحة دائما في يد الصغير، بلا حساب أو رقابة. كانت كل الظروف مهيأة له لكي يسقط بعد ذلك بسنوات قليلة في قاع الإدمان. مدفوعا بإهمال أسرته وصحبة مراهقين مهووسين بالفضول.
ليس هذا فحسب، بل هناك أيادٍ أخرى تدخلت في الإيقاع بـ"صلاح". يمكنك أن تستنج من وراءها بسهولة إذا لاحظت أن أسعار كل شيء في مصر ترتفع ما عدا المخدرات، فهي تنخفض بشدة. وجودة كل المنتجات في مصر تنهار، ما عدا المخدرات فالأصناف تزداد "جودة" وتأثيرا. لا داعي للتفكير كثيرا فقد أجابت الرواية عن ذلك السر بكل وضوح في صفحة 390:
“مشيت أنا و"حسام" بعد أن اشترينا.. فقلت لـ"حسام":
• إنت عارف يا "حسام" إيه الحكاية؟
• إيه الحكاية يا معلم؟
• البودرة دي بودرة صهاينة.. البودرة دي من إسرائيل.
• إسرائيل إيه يا عم أنت؟
• اسمع بس اللي باقول لك عليه.. البودرة دي نزلت البلد بالكميات دي، وبالرخص ده علشان الشباب يضرب بيها.. إنت شايف الزحمة عند "غانم" النهارده كانت عاملة ازاي؟ اللي ما ضربش يضرب، واللي ضرب يضرب أكتر.. دي أرخص من الحشيش يا "حسام".
• يا ابن ".......”، جه في بالك الكلام ده ازاي؟
• مستحيل ينسوا حرب 73.. ضربناهم والنهارده بيردّوها لنا.. بيدمرونا وبيدمروا البلد.. دي حرب يا معلم"..
وقد صدق "صلاح" في تحليله، فبعد فترة تم القبض على "رامي" أحد أعضاء الشلة ومعه 12 جراما. و"رامي" والده لواء في الجيش خاض أكثر من حرب وعاد منها بطلا، لكنه انهزم أمام حرب المخدرات، وقد حاول مع ابنه أكثر من مرة ليتوقف عن الإدمان، ولكنه حين بلغه نبأ القبض على ولده ومعه كل هذه الكمية، أي أنها قضية اتجار وليس مجرد تعاطٍ، لم يتحمل قلبه هذه الصدمة ومات بعد 48 ساعة في لحظة مؤثرة من الرواية.
اللهم امنحني السكينة


لا تتحدث الرواية عن طريقة الوقاية من الوقوع في الإدمان، بل تتعامل مع المدمن كضحية يمكن علاجها. والجميل في الأمر أن ما ينطبق على إدمان المخدرات ينطبق بشكل ما أيضا على باقي أنواع الإدمان كإدمان الطعام أو الجنس أو القمار أو حتى إدمان الشيكولاته! إذا كان مدمن المخدرات يستطيع أن يتوقف عن تعاطيها فأنت أيضا يمكنك أن تتخلص من عاداتك السيئة إذا اتبعت نفس المنهج.
هناك خطوات معروفة ومجربة للعلاج من إدمان الخمور والمخدرات وهي تتبع برنامج "زمالة المدمنين المجهولين”. المشكلة هي أن الكثيرين لم يسمعوا عن هذا البرنامج، وهناك من عرفوه ولكنهم لم يلتزموا بقواعده الصارمة فلم يؤت نتائجه معهم. أما الذين طبقوا الخطوات الاثنتي عشرة كلها واستمروا عليها فقد تحقق لهم المراد وعادت حياتهم لطبيعتها.
وهذا ما حدث مع "صلاح" عندما أقنعه أحد أصدقائه بالاعتكاف في المسجد، وفي مرة أخرى عمل المستحيل حتى يسافر للحج لعله يتوقف عن التعاطي. وعاش أياما في جو ديني ممتاز ولكنه انتهى بمجرد انتهاء الشعائر ورؤيته لأحد المدمنين في مدينة جدة وعاد كما كان قبل بداية الحج وكأن شيئا لم يكن.
هنا أيضا فكرة مهمة، وهي فكرة السياق. فما نفعله في حياتنا يؤثر في سياقه أكثر مما يؤثر خارج السياق. بمعنى أن مدمن المخدرات إذا اعتكف في المسجد أربعة أيام فإن حادث الاعتكاف هو عارض على سياق الإدمان ولهذا لا يؤثر عليه كثيرا. وإذا أحضر مجموعة من غير المدمنين ربع جرام من البودرة وتناولوه مرة على سبيل التجربة فإن ما سيحدث لهم هو تعب وإعياء شديد ولكنهم إذا لم يعودوا لهذا التعاطي أبدا فإن هذا الحدث لن يؤثر في حياتهم لأنه خارج السياق. على عكس المؤمن المتدين الذي يزيده الاعتكاف إيمانا، والمدمن الذي يزيده التعاطي إدمانا.
طاقة حب
وما يحاول برنامج المدمنين المجهولين عمله هو ما يجب أن نحاول عمله دائما لحل مشاكلنا التي هي من نفس النوع: أن يخرج المرء من الجو العام الذي يجعل للأمور السيئة تأثيرا شديدا، إلى نظام آخر للحياة يجعل هذه الأمور إن حدثت -إذ لا سبيل لتجنبها تماما على أية حال- فإن تأثيرها يكون منعدما. لا يستطيع البرنامج أن يمنعك من رؤية المخدرات للأبد، لكنك بعد تطبيقه إن حدث أي موقف وتعرضت لها فإنك لن تتأثر ولن تعود متعاطيا. وإذا كانت هناك وسيلة للتخلص من إدمان شيء ما فهي ليست أن نبعد هذا الشيء عن عين المدمن ويده.. برغم أن هذا يبدو الحل الأسهل ولكنه لا يصلح للأسف.
ولأن هذا الانتقال لن يتم بلمسة سحرية فإن التعليمات يجب أن تتم بصبر شديد. فبعد أن بدأ "صلاح" في تطبيق البرنامج شكت فيه والدته ذات مرة عندما رأته مجهداً أن يكون عاد إلى التعاطي ولكن قواعد البرنامج كانت تقول له أن يتعامل مع الموقف بهدوء وأن يطلب منها أن تصحبه للتحليل لتتأكد من أنه لم يتعاطَ وأن ما يمر به هو إجهاد عادي؛ وذلك لأن بناء الثقة مرة أخرى في المدمن لن تأتي في يوم وليلة فقد انهدمت الثقة تماما ويجب بناؤها مرة أخرى بصبر وهدوء.
كما يجب ألا يتأثر المرء وهو يحاول تصحيح خطواته بالآراء السلبية التي تدفعه للتوقف، وخاصة لو جاءت من شخص يتمنى لك الخير وبحسن نية. ففي الرواية يقول الأب لابنه وقد رآه يتحسن بعد حضور اجتماعات زمالة المدمنين: "ما خلاص يا "صلاح".. كفاية اجتماعات وما تضيعش وقتك أكتر من كده". فالوالد لم يكتفِ بإهماله في التربية بل هو يدعو ابنه للإهمال في العلاج أيضا!
وفي الأيام التي قضاها "صلاح" في "سويسرا" (وهو الاسم الذي يطلقه المدمنون على المستشفى)، كان الأب يكتب يوميات هي من أضعف أجزاء الرواية أدبيا، وفيها ينسب حديثا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ذكاء المرء محسوب عليه" (ص571) والحقيقة أني لم أجد هذا الحديث في الكتب السبعة ولم أسمع به من قبل. وقد بحثت عنه على الإنترنت ولم أجد عليه دليلا أو أعثر على أصله. فضلا عن معناه الساذج إذ كيف يكون ذكاء المرء أمرا محسوبا عليه؟ لو كان هذا صحيحا لكان الشخص الغبي أفضل من الذكي. لعله يقصد أنه محاسب عليه وليس محسوبا عليه. وهناك أيضا معلومة غير دقيقة وردت على لسان "صلاح" حين كان عند الكعبة، فقد أخذ يتصور هذا المكان وتاريخه القديم وأن "أبرهة" كان هنا مع فيله! والواقع أن "أبرهة" لم يدخل مكة بالفيل أصلا ولكنه توقف عند حدودها ولم يطاوعه الفيل على الاقتراب أكثر من ذلك
رواية كلها "ضرب" بدون أي شتائم
لغة الحوار في الرواية عامية وكثيرا ما تتخلل الرواية مصطلحات خاصة بعالم المخدرات فيضع المؤلف معناها في أسفل الصفحة. وإن كان الأصل في السرد هو الفصحى، والتي تمت مراجعتها بصورة جيدة. ومع حرص المؤلف على توضيح معاني الكلمات العامية أو الأجنبية حتى يفهمها القارئ العادي، إلا أن هناك كلمات عامية مصرية لم أفهمها تماما ولم يكن هناك شرح لها، ولكني استنتجتها من السياق؛ وذلك لأنها ليست مستخدمة في قاموسي ولا قاموس المحيطين بي، وهذه مشكلة الكتابة بالعامية.
أيضا هناك مسألة الشتائم، وهي موجودة في الحوار العادي بين الشباب المدمن وغير المدمن للأسف، ولم يكن من الممكن أن يتجنبها المؤلف ولا أن يذكرها كما هي. فلجأ إلى حيلة النقاط، فكلما جاءت في الحوار كلمة غير لائقة استبدلها بنقاط كما في كلام "حسام" المنقول أعلاه. وهكذا نجح المؤلف بذكاء من الهروب من فخ الابتذال وجعل الرواية صالحة لكل الأعمار من سن 8 سنوات حتى 88. كما هي مجلة "سمير" التي ترأست والدته الكاتبة "نُتيلة راشد" تحريرها لمدة أربعين عاما.
وقد أحسن المؤلف اختياره. فقد اجتمع الحوار العامي مع السرد البسيط الواضح ليحقق نجاحا ويجذب للكتاب قراء لم يكونوا يقرأون وإن قرأوا لا يقرأون باللغة العربية أصلا. كما أن الرسالة موجهة في الأساس إلى فئة معينة من الشباب، وليست عملا فنيا يهدف إلى تعجيز نقاد الأدب وإبهارهم بأساليبه وتصويراته وإمكانياته دون أن يكون هناك تواصل مع القارئ وهو المتلقي الحقيقي.
ولأن الرواية صادقة ودون تزويق أدبي مبالغ فيه فقد وصلت إلى عقل ووجدان القارئ الذي يجد نفسه يضحك مع الأبطال حين يأتي وقت الضحك.. وفي لحظات أخرى تقفز الدموع من عينيه حزنا وتأثرا
المصدر نادى القصة العربية.
وأخيراً، صار للمترفين روايتهم
وأخيراً، صار للمترفين روايتهم. صار لأصحاب ومواطني ال" الهاي كلاس " ناطق أدبي خاص بهم. راوٍ يحكي عنهم ويقول بأحوالهم وما يكون فيها. وأخيراً صار لأهل الطبقات العليا أديب وكتاب عمل على انتشالهم من الهامش إلى المتن. عمل على خروجهم من دائرة الإهمال.
فدائماً، ما كان تمثيل هذه الفئة الاجتماعية في الأدب محصوراً في إطار تكميل الصورة العامة والمشهد العام. باعتبارهم عنصراً من عناصر الحياة، لا باعتبارهم مركزها. أو على أكثر تقدير تأديتهم لدور كومبارس مهمته الأولى تكميل الجزء الصغير الناقص من الصورة.
في الأدب المصري، هنا على وجه الخصوص، حضرت الشخصية المترفة كعامل مساعد مهمته تظهير الشخصية المقابلة، بطل العمل (الفقير) عادة.
وحتى ولو وجدت مثل هذه الشخصية في صدارة أي عمل، لا يكون الترحيب بها سهلاً أو متاحاً بمجانية ما. هناك، باعتقادي، ميل إنساني يدفع باتجاه اتخاذ نظرة سلبية مسبقة عن أفراد تلك الطبقة، مهما بلغت درجة معاناتها.فلا يجدوا تعاطفاً أو حتى مجرد ترحيب بهم، على أقل تقدير.
هي طبقة اجتماعية تقع دائماً في دائرة الشك. تقع في دائرة المتهم الرئيس المتسبب، ولو بشكل مسبق، في إيلام الآخرين وفي معاناتهم. فأهل هذه الطبقة، في الوعي الجمعي، هم الأذية والأذى، هم الشر المستطير، هم الوباء والطاعون. هم رصاصة الجريمة التي سكنت جسد رجل فقير. هم الباشا الذي يعمل على اضطهاد رعاياه في عزبته الخاصة. هم ابن الباشا الذي يقوم بإغراء ابنة الفلاح واعداً إياها بالزواج وهذا فقط كيما ينال منها ليسافر بعد ذلك في منحة دراسية تاركاً الفتاة الفقيرة لمصيرها الأسود. وفي درجات أدنى، هم صاحب العمارة الذي يضطهد سكان عمارته. رئيس المصلحة المتسلط على موظفيه. مأمور قسم الشرطة " المفتري.
والى كل هؤلاء نماذج أخرى متعددة بتنوع المجال الاجتماعي. وقد عملت الدراما المصرية (سينما وتليفزيون)، بصفة خاصة، في تجسيد هذه الفئة الاجتماعية مراراً وتكراراً وبذات الصورة والملامح، باستثناء نماذج قليلة تدخل في حكم النادر.
(2)
وعليه، كان صدور رواية "1/4 جرام " للكاتب الشاب عصام يوسف، صدرت لتلاقي نجاحاً تجارياً لافتاً قيل أنه حقق في ثلاثة أسابيع مالم تحققه رواية " عمارة يعقوبيان " لعلاء الأسواني في سنة كاملة
كل هذا على الرغم من حجم الرواية الضخم نسبياً (يقترب من السبعمائة صفحة)، وهو حجم يصعب في الوقت الراهن أن يجد له قارئاً مخلصاً لديه من الوقت والقدرة على الاحتمال ما يدفعه لإنجاز قراءة هذا العمل. هذا إضافة لسعر الرواية المرتفع (خمسون جنيهاً)، وهو رقم مرعب، بحسب تعليق احد الصحفيين. كل هذا يقول بماهية ونوعية الفئة الاجتماعية التي تستطيع امتلاك هذه الرواية. (بحسب استطلاعات رأي حول الرواية، جاء مايقول أنها تلاقي رواجاً كبيراً في مناطق جغرافية محددة في المدن المصرية الرئيسية. يتمتع سكانها بحياة ذات مستوى اقتصادي مرتفع).
(3)
من الناحية الفنية، جاءت رواية "1/4 جرام " تحت مايمكن تسميته " الرواية التسجيلية ". حيث يقوم الكاتب، حقيقة، بتسجيل ماسمعه من اعترافات صديقه الحميم (صلاح) عن تجربته في عالم المخدرات. وكان هذا قبل أكثر من خمسة عشر عاماً. إلى أن جاء الوقت الذي طلب فيه صلاح من صديقه تدوين تلك الاعترافات في كتاب حتى يستفيد الشباب من تجربته. ولذلك كُتب على غلاف الرواية " رواية واقعية ".
تحكي الرواية ماكان ل" صلاح " رفقة شلة من رفاقه (أحمد، حسين، رامي، بهاء، علاء)، من أبناء الذوات المنتمين لعالم ما بعد الانفتاح المصري ومارافقه من صعود غير مسبوق لأغنياء جدد تمكنوا من استغلال القرص التي سنحت لهم. هم تلاميذ في مدرسة لغات باهظة التكاليف. يعيشون حياة منفلتة بعيداً عن مراقبة الأهل المنشغلين بأحوالهم. كما والمال متوافر بين أيديهم.
كانت سيجارة حشيش هي الخطوة الأولى لدخولهم عالم الإدمان، فشرب البيرة والخمر بدرجة لاحقة. ومن ثم انفتح كل شئ.
في إحدى حفلات رأس السنة وهم في المرحلة الإعدادية (وهي احتفالية مقدسة في عرف أبناء هذه الطبقة)، دخل عليهم بهاء قائلاً:
" اسمعوا يا رجالة رأس السنة دي مش خمرة ولا حشيش.. مفاجأة.. الجديد البريمو.. سحر يا اكسلانس.. أنا معايا هيروين بودرة ربع جرام.. فرد صلاح:
ويعني هيعمل إيه الربع جرام دا؟
بهاء: دلوقت تشوفوا الربع جرام دا هيعمل إيه.. البودرة هتخليكم ملوك ". فكانت البداية التي انتهت بالإدمان الكامل.
الرواية مكتوبة بلغة بسيطة تقترب، أحياناً إلى درجة الحكي الساذج، خليط من الفصحى والعامية. كما يبدو أنها مكتوبة أصلاً كسيناريو جاهز وخاص بعمل سينمائي، (قال كاتب الرواية عصام يوسف أن شركته الخاصة،" مونتانا ستوديوز"، بصدد إنجاز اللمسات الأخيرة في شأن تحويلها إلى عمل سينمائي). يقودنا هذا إلى مباشرة لعقد مقارنة بين ال" 1/4 جرام "، وبين أعمال أدبية عديدة تحولت إلى الشاشة الكبيرة، عمل " المدمن " لأحمد زكي ونجوى ابراهيم، على سبيل المثال. فسوف تكون مقارنة تصب بلا شك (بالنسبة لي على الأقل)، في صالح " المدمن " الذي أدّاه الراحل أحمد زكي باقتدار عالٍ.)نعود هنا لمسألة الميل الفطري الدافع للتعاطف مع الشخصية الفقيرة). فعلى الرغم من اللحظات الإنسانية المكثفة في بعض زوايا الرواية (1/4 جرام) أقصد، إلا أننا (فيما يخصني)، حال القراءة لانشعر بوجود ذلك التعاطف الإنساني المطلوب أو المفترض أن يكون في مثل هكذا حالات. لا تكون سوى قراءة محايدة. لكأننا نقف قبالة شخصيات بلا دم أو لحم. مجرد شخصيات بلاستيكية. يكون مرورنا عليها كما المرور على حادثة اعتيادية تحصل كل يوم أمام أعيننا فلا نعود نتأثر. كما وهم سبب ألآم الآخرين، فليتذوقوا إذن من ذات الكأس.
وقد يصل الأمر إلى حدود التشفي، بل هو التشفي بعينه هنا وبوضوح على الرغم من قساوة هذا الشعور. لكنه الوعي الباطن الذي يشير باتجاه أفراد هذه الطبقة قائلاً أنه ليس بالإمكان تواجدهم في مقام الضحايا. وبالتالي فسقوط أمر التعاطف معهم يكون واجباً. هي قراءة ثأرية إذن، (إن صح التعبير). وفوق هذا تقف مسألة عدم تقديم الرواية جديداً على المستوى الفني والجمالي كعامل رئيسي في عدم فعل ذاك التعاطف. هو مجرد سرد اعتيادي مسهب ممتد على مساحة تقترب من السبعمائة صفحة، (أنجزت قراءتها بصبر كمن أزاح حملاً ثقيلاً من على ظهره). فلا سبب فني واضح إذن لهذا النجاح التجاري الذي حققته هذه الرواية وما تزال. حيث وكل شئ فيها يقول بعاديتها ومجاورتها لأي عمل أدبي بسيط ويخرج إلينا منها الكثير والكثير ويحدث هذا بشكل يومي.
إننا لو قمنا، على سبيل المثال، بعقد مقارنة بسيطة بين " 1/4 جرام " وبين رواية " تغريدة البجعة " لمكاوي سعيد ، وهي الرواية التي خرجت في توقيت موازٍ ل" 1/4 جرام "، وحازت على نجاح تجاري مماثل. فلن تكون المقارنة لصالح الأخيرة، حيث بدت " تغريدة البجعة " كمثال باهر على فرادة العمل الأدبي الشاب ومتانته قائلاً بالمستوى الذي وصلت إليه الرواية المصرية/ العربية الشابة بشكل عام. في حين جاءت " 1/4 جرام " لتقول بحالة طارئة، وبفئة طارئة، وبمناخ اجتماعي طارئ، لن يطول الوقت حتى يذهب إلى النسيان والأرشيف. فمثل هذه الأعمال (الموضة)، لا يكون احتمالها على البقاء والصمود طويلاً، تماماً كحال أبناء ذات الطبقة الذين تتحدث عنهم، فسرعان مايصيبهم الملل، تاركين الأدب لحال سبيله، باحثين عن لعبة مسليّة أخرى.

حمل من هنا
http://www.ziddu.com/download/10886969/rob3geram.pdf.html